لا يكاد يختلف اثنان من عشاق الساحرة المستديرة على أن نادي ريال مدريد الاسباني يعتبر أحد أقوى الفرق في أوروبا , حتى في ظل أوج محنته في السنوات الأخيرة الماضية.
الميرنغي لطالما كان قبلة النجوم , ومغناطيس للأيقونات الكروية العالمية , التي لطالما رفعت كؤوس العالم وتوهجت في سماء الكرة كـ زيدان و رونالدو و كنفارو و كاكا والقائمة تطول.
ريال مدريد صرف الملايين وفعل ما لا يفعل في عالم الكرة لنيل الألقاب فنجح قليلاً وفشل كثيراً , ويبدو – حتى الآن – أن استقطاب كريستيانو رونالدو و بنزيما وكاكا و الونزو وغيرهم سيكون حالهم كحال الغالتيكوس "زيدان-رونالدو-فيغو-بيكهام " في تحقيق نجاح جزئي بسيط لا يتناسب مع قيمتهم , أو في فشل ذريع وهذا ملا يتمناه أحد حتى "الأنتي مدريدستاس" !
أكثر من 1000 مليون يورو صرفها ريال مدريد منذ عام 2000 وحتى اليوم على الميركاتو أي ما مجموعه مليار و 200 مليون وهو مبلغ خرافي ربما لم تصرفه دولة من دول عالم الثالث أو الثاني على نهضتها وعمرانها واقتصادها في ذات الفترة !
ما زاد الطين بلة بالنسبة لعشاق النادي الملكي , هو اقتران الترف المدريدي في شراء اللاعبين والفشل في تحقيق الألقاب مع "النهضة الكروية المجانية" لنادي برشلونة , حيث تزامنت الأفراح الكتالونية مع الأتراح المدريدية .
ومن هذا المنطلق يتساءل المتابع بغرابة عن الفروق الجوهرية بين الناديين والتي أدت للواقع الذي نعايشه الآن حيث يتفوق البارسا على الريال ونجتهد في سردها لكم على النحو التالي :
1- ليس عيباً أن يقوم النادي الملكي بشراء النجوم الكبار , بالعكس بل هو أمر محبذ أن يبحث أي نادي عن اللاعب الأفضل لتحقيق أهدافه , ولكن الخطأ كل الخطأ أن يغفل الريال دور أبناء مدرسة النادي ولا يهتم بتنميتهم , فتشافي الذي ينبض قلبه بحب كتالونيا و تتقد روحه حماساً للدفاع عن سمعة وألوان البارسا , أفضل بنظري من كريستيانو رونالدو مهما بلغ الأخير ما بلغ مهارياً و تهديفياً , وعنصر "الانتماء" برز بشكل كبير مؤخراً في مواجهات الكلاسيكو عندما شاهدنا لاعبي البارسا يقاتلون فرداً فرداً وكأنهم في حرب أو مباراة نهائية بينما لاعبو الريال كانوا خارج الجو , فيجب على ريال مدريد أن يحاول تطبيق سياسة البارسا التي أجدت نفعاً عبر مدرسة "الماسيا" التي لا تكاد تكلف البارسا شيئاً مقارنة بما يتكلفه ويتكبده فلورنتينو بيريز !
2- غالبية اللاعبين الذين يجلبهم الريال لتدعيم الفريق يعانون من مشكلة التشبع في الانجازات الفردية والجماعية فيفتدون في الريال إلى الحافز والشغف والتعطش لإحراز شيء كبير , فكنفارو – مثلاً لا حصراً - أحرز كأس العالم لكنه كان مع الريال في أسوأ حالاته , وكذلك كاكا الذي حقق الدوري ودوري الأبطال وجائزة أفضل لاعب في العالم وهو في ميلان وكذلك أرى رونالدو حتى الآن , فنجد اغلب القادمين إلى الريال منتشين فقط بقمصانهم البيضاء التي تتمتع بقيمة رياضية عالية بفضل تزيينها بشعار نادي القرن , فيلجئون للإعلانات التجارية وحب الظهور والاستعراض والمهارة وتسجيل وتحقيق الأهداف الشخصية التي لا ينتفع منها ريال مدريد كثيراً !
3- "استعجال النتائج" في القلعة البيضاء كان السبب الأبرز في "تأخر النتائج" , فكثرة تغيير المدربين واللاعبين كان سبباً بارزاً في عدم استقرار غرفة ملابس الفريق , وأدى إلى تأخر جني الثمار التي لم يكتب لها النضج أبداً فتشافي مثلاً كان لاعباً عادياً في كتيبة البارسا في الفترة ما بين أعوام 99-2003 لكن صبر النادي عن الآعب أوصله إلى صعود منصة الكرة الذهبية وأدى بالنادي أيضاً لصعود منصات التتويج.
4- ايدولوجيا اللعب الجماعي غير متجذرة في ريال مدريد على عكس برشلونة , الذي على الرغم من احتواء تشكيلته على مدار السنوات الأخيرة على نجوم مثل رونالدينيو وميسي , إلا أن الأداء الجماعي هو الطاغي والغالب على الفريق الكتالوني باستخدامهم طريقة "التيكي تاكا" التي تمزج بين كافة المدارس الكروية مع طغيان المدرسة الهولندية الشاملة على كرة البارسا , بينما اعتمد مدريد كثيراً على حضور بعض الأسماء التي استقطبها لتنجز مهمة الفوز فضاعت الروح الجماعية في الفريق , وضاعت الانتصارات , ويبدو أن الأنموذج الذي أتحدث عنه لم يطبق في مدريد مؤخراً سوى في عهد طيب الذكر فابيو كابيلو الذي جعل من لاعبين عاديين نجوماً أحرزوا الليغا بفضل اللعب الجماعي والقتالية .
5- ربما لا يدرك عشاق ريال مدريد أن نقطة قوتهم هي نفسها نقط الضعف لديهم , فالميرنغي يمتلك أقوى منظومة إعلامية عالمية , من قناة وصحف ومجلات ذات تأثير كبير , وقوة جارفة لدرجة أن صحف كالماركا والآس أطاحت برؤوس من سدة الحكم المدريدية كما حدث مع الراحل كالديرون , لكن القوة المفرطة للنادي الملكي كثيراً ما أثرت على خط سير الفريق من خلال قدرتها التأثيرية القوية على الآعبين والجماهير والتضخيم الإعلامي للاعبين لا يستحقون ذلك , أو الانتقاص من قيمة لاعبين مجتهدين أو ربما تجاهلهم , لدرجة أن بعض المراقبين والمتابعين باتوا في حيرة من أمرهم فعلاً عمن يقود النادي , الصحافة أم الإدارة !؟ وعليه يجب على الريال أن يقلل من ارتباطه بهذه الصحافة وان لا يفسح لها مجالاً للتأثير عليه , لأن تلك الصحف لا تراعي في عملها سوى الجانب التسويقي والترويجي باستخدامها للفنتازيا الإعلامية , ولا تراعي المصلحة الرياضية البحتة للريال , وصبر صحف و وإعلام برشلونة على نتائجه وتشجيعها الدائم وحياديتها هو نموذج يجب أن يحتذى به في مدريد .
قد يعتقد البعض أن تحقيق هذه الأشياء مسألة موسم أو موسمين على أكثر تقدير , لكنها ليس كذلك قطعاً , لأنها باختصار مسألة فلسفة ومنهاج كامل يجب أن يطبق من قبل اختصاصين عاشقين ومحبين ومخلصين للنادي الملكي , ويتميزون بالصبر إزاء النتائج , وحينها سنجد ريال مدريد قادر على منافسة البارسا "دائما" ونجد الندية بين الطرفين حاضرة في كل موسم .